الكلاسيكو


الكلاسيكو

الكلاسيكو هو مباراة كرة قدم تجمع بين قطبي إسبانيا، ريال مدريد وبرشلونة. تعد هذه المباراة واحدة من أكثر المباريات مشاهدة حول العالم نظرًا للشعبية الجارفة والبطولات العديدة التي حققها الفريقان.

لقاء من نوع خاص

عندما يلتقي الفريقان، يدرك المشاهدون أن المباراة أكبر من مجرد كرة قدم، بل وتتعدى حدود ملاعب الكرة لحساسية وظروف اللقاء السياسية. لا تزال حادثة اللاعب البرتغالي لويس فيجو في عام 2002 عالقة في الأذهان، عندما لعب مع ريال مدريد ضد برشلونة بعد أن كان لاعبًا سابقًا للأخير. إنها تجسيد للجنون، الانتقام، والولاء!

تُعرف المباراة بعدة مسميات، كالمعركة من طرف ريال مدريد والثورة من طرف برشلونة، مما يوضح مدى أهمية اللقاء لدى الجانبين. تعود جذور التوترات إلى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما تولى فرانكو زمام الأمور في إسبانيا.


عندما تتدخل السياسة في الرياضة

أذاق الدكتاتور فرانكو، كما يطلق عليه في كتالونيا، أو الجنرال كما يطلق عليه في الجانب الآخر، شتى أنواع العذاب لشعب إقليم كتالونيا. عندما نتكلم عن كتالونيا نتكلم عن الإقليم الشمالي الشرقي الذي يحتضن مدينة برشلونة كعاصمة له. أعلن فرانكو الحرب على الإقليم الواقع على هضبة مرتفعة وعلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وتحده جبال البيرينيه الثلجية من الشمال. هاجم برشلونة معتقدًا أن سكان الإقليم مجرمون ومعارضون لحكم الملكية في إسبانيا. حاول مسح الهوية الكتالونية بإعدام كل من يتحدث اللغة الكتالونية أو يرفع علم الإقليم.

يتحدث سكان إقليم كتالونيا عن مباراة بين برشلونة ومدريد في مسابقة الكأس عام 1903، أي بعد تأسيس نادي مدريد بسنة فقط. فاز حينها برشلونة بنتيجة 15-1، ولكن فرانكو استولى على وثائق المباراة وقام بإتلافها.



الحرب الأهلية - كتالونيا بؤرة للخونة وحليفة للغرباء

في بدايات القرن العشرين، بدأت الكثير من الصناعات العملاقة في إقليمي كتالونيا والباسك، مما أدى إلى رخاء معيشة الناس. كانت هذه نقطة التمحور بإختصار!

دارت رُحى الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939 بين أنصار الحكومة المدنية آنذاك إقليمي كتالونيا والباسك من جهة، والعسكر المدعومين من المغرب والنازية والفاشية من جهة أخرى، بعد إعطائهم وعودًا بدخول إسبانيا الحرب مع إيطاليا في الحبشة عندما كانت مستعمرة من قبل الأخيرة. انتهت الحرب بانتصار الجنرال فرانكو بعد مجازر عديدة خلفت ما يفوق عن 500 ألف قتيل من إقليم كتالونيا وحده.

قتل فرانكو بدون رحمة الناس، وكان لا يفرق بين الكبير والصغير، مما أجبر سكان إقليمي كتالونيا والباسك على بناء ملاجئ للأطفال على الأراضي الفرنسية بل والمكسيكية، وذلك حفاظًا على مستقبل الأقاليم المنكوبة. تم ترحيل 35 ألف طفل من كتالونيا و20 ألف طفل من الباسك.

في عام 2008، فتح قاضٍ تحقيقًا بحق أكثر من 130 ألف شخص أعدموا في ظرف شهر واحد فقط عام 1937. كما رأينا من أيام قليلة، وفي نشرات الأخبار، بأن الحكومة الإسبانية قامت بتجريد القاضي من مهنته لأسباب لم تعلن على الملأ.

برشلونة تحت النار عام 1938

ريال مدريد أو النادي الملكي أو نادي الملك كما يحلو لعشاق ريال مدريد - اللقب الميرنجا (الأبيض)


تأسس نادي مدريد لكرة القدم عام 1902 وفاز بمسابقة الكأس بعد ثلاث سنوات، ولم يحقق بطولة الدوري إلا عام 1932. الجدير بالذكر أنه في أول بطولة دوري عام 1928 كان متصدرًا للدوري، وفي اللحظات الأخيرة خسر من بلباو وحل ثانيًا بعد برشلونة، حيث أصبح برشلونة أول فريق إسباني يفوز بالدوري الإسباني أو الليغا الإسبانية.

لم يسلم نادي برشلونة كما هو حال الإقليم الحاضن للمدينة. ضعف الفريق بسبب الحرب الأهلية، وفي المقابل تم إعداد مدريد كبطل (كامبيوني). تم تغيير اسمه من مدريد إلى رويال مدريد أو بالإسباني ريال مدريد، أو حتى بالعربي نادي الملك، على يد الملك ألفونسو وتم تغيير شعاره ووضع تاج الملك أعلى الشعار عام 1929. بعد تولى الجنرال فرانكو زمام الأمور في نادي ريال مدريد، قام بتهيئة شتى الأمور لنجاح النادي من غش وخداع وطرق غير مشروعة، وحكام، وانتصارات طوعًا أو كرهًا. وبرغم من معاناة برشلونة في تلك الحقبة، إلا أنه كان لا يستسلم عندما يواجه ريال مدريد، بل كان قادرًا على هزيمته.


برشلونة أو البرسا - اللقب البلوغرانا (الأزرق والأحمر)


تأسس البرسا في مدينة برشلونة في إقليم كتالونيا عام 1899، وسرعان ما أصبح أحد أفضل أندية إسبانيا. في عام 1902، حقق أول بطولة على مستوى الإقليم ووصل لنهائي كأس الملك. ألهم البرسا كفريق كرة القدم جميع الإسبان، حيث كان الجميع يلعب كرة القدم، ولكن البرسا منذ تأسيسه برهن أن كرة القدم هي فن يلهب شعور المتفرجين وعلم يطبق على أرضية ملعب كرة القدم، مما لفت إليه أنظار وإعجاب جميع من كان يشاهده.

مع مرور الزمن، تغير الإعجاب إلى حب ثم عشق وجنون. في أحلك الظروف، شرع أبناء كتالونيا بنشر خطة بناء أكبر ملعب كرة قدم في أوروبا أيام الحرب الأهلية. بينما كان الدكتاتور فرانكو تتلوث يداه بدماء الكتالونيين، كان رد أبناء كتالونيا بإطلاق لقب بهجة كتالونيا على ملعب الكامب نو الذي شرع العمل فيه عام 1954 وتم الانتهاء منه في عام 1957 في تحدي للدكتاتور بأن لا أحد باستطاعته سلبهم فرحتهم وحريتهم.

قام الجنرال فرانكو عام 1936، في خطوة انتقامية مدعومًا من الكنيسة الكاثوليكية، بقتل جوسيب سنيول، رئيس إقليم كتالونيا والسياسي البارز آنذاك ورئيس نادي برشلونة في بداية حربه على الإقليم. قام بتعيين أحد مستشاريه ويدعى إنريكي بينيورو، حيث قام الأخير بإلغاء النشيد الخاص للبرسا وحذف اللون الأصفر والأحمر من شعار الفريق.


الفريقين بالأرقام


برشلونة يمتلك 75 لقبًا بالإضافة إلى 3 بطولات لم تحتسب من قبل الاتحاد الإسباني بالرغم من إشراف الفيفا المباشر عليهن.

ريال مدريد يمتلك 74 لقبًا متساويًا مع بلباو.

فاز ريال مدريد على برشلونة 68 مرة، وفاز برشلونة على ريال مدريد أيضًا 68 مرة.

سجل ريال مدريد 364 هدفًا في مرمى برشلونة، وسجل برشلونة 351 هدفًا في مرمى ريال مدريد.

الأرقام حتى تاريخ 26/2/2012.


مباراة العار


في 13 يونيو من عام 1943، في أحد أيام الحرب العالمية الثانية، وفي إحدى مباريات الكلاسيكو، انتهى شوط المباراة الأول بتقدم برشلونة 1-0. قام فرانكو وزمرته بمهاجمة غرفة تبديل ملابس برشلونة واعتدوا بالضرب على بعض أعضاء الفريق وهددوا لاعبي برشلونة بالاعتداء على عوائلهم إن حاولوا لمس الكرة في الشوط الثاني. انتهت المباراة بعد ذلك لصالح ريال مدريد 11-1. قام الاتحاد الإسباني بإلغاء النتيجة.


سرقة دي ستيفانوا


يتغزل أنصار ريال مدريد باللاعب الأرجنتيني دي ستيفانو، ولكن لماذا؟

أبرم البرسا عقدًا مع لاعب ريفر بليت عام 1953، ولكن قبل توقيع العقد، فجر سنتياغو برنابيو، رئيس ريال مدريد، مفاجأة من العيار الثقيل بتوقيع عقد مع اللاعب بطريقة غير قانونية. رفض الاتحاد الإسباني قيد اللاعب بسجلات ريال مدريد مستشهدًا بالطرق الخبيثة التي سلكها ريال مدريد للحصول على توقيعه وأنها بعيدة تمامًا عن أخلاقيات ومبادئ كرة القدم. بعد العديد من الضغوطات على الاتحاد الإسباني، قام الاتحاد بوضع حل للمشكلة وهو ما رآه الكثيرون بأنه حل غير منطقي ومتحيز لريال مدريد، وهو أن يلعب اللاعب سنتين للبرسا أولًا وسنتين لريال مدريد لاحقًا. قام البرسا بصرف النظر عن اللاعب كليًا بعد شعوره بعدم عدالة الحكم.

دي ستيفانو، وبكلمة حق، هو هداف الليغا التاريخي (ليونيل ميسي خلفه تمامًا ومرشح لكسر الرقم)، وهو من ساعد ريال مدريد في إحراز العديد من البطولات في فترة الخمسينيات.


بوشكاش وبعيدًا عن الصور الزائفة والمفبركة، وكيف كان يسجل الأهداف في نهائي دوري الأبطال كما تم بثه من خلال فيديو مصدره أهم صحيفة مدريدية الماركا، كان أفضل مهاجم في تاريخ ريال مدريد حتى ظهور هذا الفيديو للعلن ..


دُرّة التاج - الحُب دييغو 💙 (ما في قلب أحمر :-/)

آه!!! الحديث عن دييغو ذو شجون ويؤلم القلب..

لتفادي سيناريو دي ستيفانو، قام البرسا بالتعاقد مع لاعب مغمور من أمريكا الجنوبية يُدعى دييغو أرماندو مارادونا، وبمبلغ خمسة ملايين دولار (قياسي بحسب أرقام ذلك الوقت)، وبطريقة تشبه الطرق المتبعة في أفلام جيمس بوند.

مع ذلك، لعب دييغو موسمين فقط مع البرسا! لماذا؟ دعونا نطلع على القصة...

في موسم 1983، استقبل ريال مدريد برشلونة ضمن مسابقة كأس الملك في معقل مدريد سنتياغو برنابيو وبحضور الملك شخصيًا ككبير مشجعين الأبيض. ما الذي حدث؟!




قام دييغو بتسجيل هدف أقل ما يقال عنه عار ومسح بتاريخ الريال والملك الأرض! بعدها بدقائق، رفعت جماهير ريال مدرية المناديل البيضاء (متعودين ومتحزمين بها) وصدرت الأوامر لوزير الرياضة الإسباني وليس لرئيس رابطة الليغا الإسبانية، يجب نفي دييغو من إسبانيا برمتها أو إنهاء مسيرته الكروية! ولكن كيف؟!

لإبعاد الضوء، ريال مدريد يستعين بأتلتيك بيلباو هذه المرة ومع لاعب يلقب بـ "الجزار".

في 24 سبتمبر 1983، وقعت حادثة شهيرة في عالم كرة القدم عندما قام أندوني جويكويتشيا، مدافع فريق أتلتيك بيلباو، بكسر كاحل النجم الأرجنتيني دييغو مارادونا، لاعب فريق برشلونة آنذاك. حدثت هذه الواقعة خلال مباراة في الدوري الإسباني على ملعب كامب نو.


حفلت المواجهة بالندية والتوتر العالي وجيش من مكافحي الشغب، وبسبعة كروت صفراء فقط، وذلك لتهيئة المهمة. تدخل جويكويتشيا بعنف على مارادونا، مما أدى إلى إصابته بكسر في الكاحل. هذا التدخل العنيف أدى إلى خروج مارادونا من المباراة ونقله إلى المستشفى. أُصيب دييغو بتمزق في الأربطة وبكسر في الكاحل الأيسر، مما أبعده عن الملاعب لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر. كانت الإصابة خطيرة لدرجة أنها هددت مسيرته الرياضية، ولكن بفضل العلاج المكثف والروح القتالية التي كان يتمتع بها، تمكن مارادونا من العودة إلى الملاعب لاحقًا. حصل جويكويتشيا على لقب "جزار بيلباو" نتيجة لهذا التدخل العنيف، وتعرض لانتقادات واسعة بسبب هذه الحادثة، ومع ذلك، لم يواجه عقوبات قاسية من الاتحاد الإسباني.

بعد فترة من العلاج والتأهيل، عاد مارادونا إلى الملاعب، ولكن!




كانت أول مباراة بعد العودة مع أتلتيك بيلباو، وقام الجزار نفسه بالاعتداء مرة أخرى على دييغو في وضح النهار وبطريقة عنيفة، فقد دييغو عقله وقام بالاعتداء كرد فعل على ما حصل على جميع لاعبي أتلتيك بيلباو! قامت الصحافة المدريدية برصد جميع ردات فعل دييغو وتصويره كمجرم لا كلاعب، بعدها تم استصدار مذكرة من وزارة الرياضة الإسبانية بمنع اللاعب من المشاركة في جميع الرياضات داخل إسبانيا.

دوري الأبطال

من مبدأ أن دوري أبطال أوروبا مدريدي مالم يصطدم ريال مدريد بمواجهة مباشرة مع برشلونة، يتعمد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم اليويفا والمنبثقة منه بطولة دوري أبطال أوروبا إقامة مباريات كل من ريال مدريد وبرشلونة في أيام مختلفة بحجة المردود الاقتصادي للإعلانات وإتاحة الفرصة للمشاهدين لمشاهدة الفريقين.

كما أنه يتعمد بتفريق الفريقين لعدم مقابلة كليهما وإبعاد ريال مدريد من الاصطدام ببرشلونة عن طريق القرعة وتهيئة الطريق الوعر للفوز بالبطولة.

موقعة أبريل 2011 - نصف النهائي، انتهت مباراة الإياب بانتصار برشلونة على ريال مدريد 2-0، تم تسجيلها من قبل ليونيل ميسي وبعبارة أقل ما قيل عنها إهانة، وتعادل الفريقان في الذهاب 1-1 وصعد برشلونة حينها للنهائي.

 

غالاكتيكوس


من مبدأ أن "ريال مدريد يشتري النجوم، البرسا يصنعهم"، أراد ريال مدريد أن يعمل شيئًا خارقًا للعادة. تمتلك الفرق القوية عادة فريقًا مرتبًا مع نجم أو نجمين. في وقت قرر فلورنتينو بيريز كسر المألوف وبناء فريق يتكون من أحد عشر نجمًا بداية من الحارس إلى قلب الهجوم وأطلق عليه لقب الغالاكتيكوس، وهي جمع كلمة مجرة مع العلم بأن المجرة هي عبارة عن تكتل نجمي، يا آلهي!

الفريق ضم على سبيل المثال لا الحصر:
- زين الدين زيدان
- رونالدو الظاهرة
- ديفيد بيكهام
- مايكل أوين
- روبيرتو كارلوس
- كلود ماكيليلي

ساحر في المدينة


في المقابل ضم برشلونة حينها فتى صغيرًا ساحرًا من ضواحي ريو دي جانيرو الفقيرة يُدعى رونالدينهو وقام بتحطيم أسطورة فلورنتينو بيريز المدعاة بالغالاكتيكوس، قام جمهور ريال مدريد في لحظة تاريخية فارقة بالتصفيق لنجم برشلونة الجديد! 

وبهذا أنفردت حبات العقد الفريد للأبد..

كتالونيا ليست أسبانيا!

الكلاسيكو ليس مجرد مباراة كرة قدم، بل هو تجسيد للصراع بين القهر والجوع والدم والولاء والحب والانتماء، مما يجعل اللقاء أكثر من مجرد رياضة. إن تاريخ المواجهات بين ريال مدريد وبرشلونة يعكس تعقيدات السياسة والمجتمع الإسباني، ويظهر كيف يمكن أن تكون الرياضة مسرحًا للصراعات الأعمق في المجتمع.

النهاية

No comments:

Post a Comment